July 22, 2016

خواطر شخصيّة، في الذائقة النغميّة‎: في إجراء الخواطر

إذن، في هذه الخواطر لا يقدّس الماضي، ولا يُساء لأحدٍ، و إن أشرت لما أراه إخفاقاً أو خطأً، فإنّما هو الرأي والرغبة في الفائدة لا الإساءة والانتقاص من قدر أحد. و رغم هذا، فسأذكر الأسماء في ما أشير له بالإجادة، و سأحاول اجتناب ذكر أيّ اسمٍ يشار له بغير هذا إلّا في حالة الضرورة القصوى، لا لشيءٍ إلّا رغبةً في احترام مشاعر من يختلف معي في التوجّه.
بعد بيان عدم رغبتي في تقديس الماضي، ستنقسم الظواهر الموسيقيّة في هذه الخواطر إلى الموسيقى الفصحى (CLASSIC) وموسيقى عاميّة أو دارجة (POPULAR) وشعبيّة (FOLKLORIC) واستهلاكيّةٍ تجاريّة أو منوّعات (COMMERCIAL, VARIETY). ولا أدّعي هنا امتلاك الحقيقة في تقسيم النغم، إنّما من أشكال النغم ما يصعب تصنيفه لتداخله، لكن أقول، أنّ هذا ما سأعتمده تسهيلاً على نفسي وعلى من قد يتابع هذه الخواطر.
أخيراً، لا يُقصد من هذه الخواطر أيّ تقسيمٍ لها أو تبويبٍ أو فصول، لكنّها خواطر خالصةً لا ينبغي أن تُعطى أكبر من قدرها، وكلّما جال خاطرٌ في البال يُطرح دون أولويّة لخاطرٍ على آخر أو أهميّةٍ لفكرةٍ عن أُخرى.

July 15, 2016

خواطر شخصيّة، في الذائقة النغميّة‎: النقد بين الذات والقديم و لماذا النقد

في الأمم التي ينتشر فيها الظُلم، ينتشر فيها بالمِثل حبّ القديم، وعدم مساسه بالنقد ولا حتّى الاستفادة من أخطائه. مَن يستطيع تخطيء السلف الصالح في الدين أو السياسة أو النغم!
حين طالعت بعض كتب التراث في الشِعر مثلاً: وجدت بعض الرواة ينقدون شاعراً في مكانة النابغة الذبيانيّ أنّ في شعره إقواء، وبصرف النظر عن تعريف الإقواء، لكن، تعدّى هذا أنّ شاعراً كجرير في إحدى مجالسه نقد قصيدةً نظمها هو، فنرى أيضاً مجاوزة نقد الأقدمين إلى فكرة النقد الذاتيّ.
ماذا لو قُلنا أنّ الكثير من نجوم الطرب في القرن العشرين في أمّتنا هم صنعة إعلامٍ وسلطةٍ أكثر من جودة نغمٍ أو عظيم موهبة؟
ماذا لو قلنا أنّ تمجيدنا للأقدمين من أوّل عبده الحمولي ومحمّد عثمان، مروراً بيوسف المنيلاوي وعبد الحيّ حلمي وسلامة حجازي وسيّد درويش، وصولاً لأمّ كلثوم إبراهيم ومحمّد عبد الوهّاب ورياض السنباطي ومحمّد القصبجي وزكريّا أحمد والأخوين أسمهان وفريد الأطرش ومن تلاهم من عبد الحليم حافظ الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وبليغ حمدي وكمال الطويل ومحمّد الموجي، والأسماء لا تنقطع في كلّ عصر:
أقول: لماذا نضع هؤلاء في مرتبةٍ لا يجوز نقدهم أو حتّى إبراز ما يمكن أن تكون أخطاءاً، لماذا تُدارى الأخطاء ولا يُستفاد منها؟ لماذا نركّز في تفاصيل حياتهم الشخصيّة؟ لماذا نهتمّ بحياتهم الشخصيّة أصلاً؟ لماذا لا ننظر للشخص بعمله، يأخذ بمحاسنه ويُستفاد من خطئه؟
الظنّ عندي أنّ هذه الأعمال السينمائيّة والتلفزيونيّة التي جعلت من أولئك الأشخاص ملائكةً تمشي على الأرض أساءت لهؤلاء الناس الذي لم يُرِد أغلبهم إلّا أن يكون ذا فنٍّ وغير هذا هو واحدٌ بين الناس.

July 8, 2016

خواطر شخصيّة، في الذائقة النغميّة‎: الجيّد و الرديء والحكم عليه

لنبدأ بالجيّد والرديء والحكم عليه:
لماذا يؤخذ انطباعٌ بسابق جودة عملٍ ما إذا كان الغناء فيه لأمّ الشهيد، أو للمقاومة أو حملت مقطوعةٌ عنواناً ثوريّاً أو مقاوماً؟ و يُفترض في العمل سوء جودةٍ إذا
حمل في طيّاته كلاماً غير مألوفٍ أو خارجٍ عن الآداب العامّة (مع التحفّظ على المصطلح)؟
هل ينبغي أن يُقاس النغم بمحتواه الكلاميّ؟ وإن كان، فما معيار قياس المحتوى الكلاميّ؟ هل بمضمونه أم بجودته؟ كم تكون نسبة جودة النغم في الحكم على جودة العمل لو كان العمل غنائيّاً؟ و كم تكون نسبة قياس العنوان لو كان العمل نغميّاً خالصاً لا غناء فيه؟
لماذا يعتبر الكثيرون مَن يعلن عدم تفضيله لحناً عن القضيّة أو الثورة، تافهاً أو سطحيّاً؟ لماذا يطلقون نفس الصفات السابقة على مَن يميل لسماع ألحانٍ ذات كلامٍ غير مألوفٍ أو خارجٍ عن الآداب العامّة؟
قد نما لأُذُناي ألحانٌ من النوع الثاني بها طربٌ و صنعةٌ و جدّيّةٌ في التعامل مع النغم أكثر من النوع الأوّل.
لماذا يقسَّم النغم بمضمونه الكلاميّ والطبقيّ لا محتواه النغميّ؟
دُرنا في فلك نفس الفكرة بما فيه الكفاية والتمثيل، و الآن نضرب بعض الأمثال العمليّة على مقصدنا من الحكم على النغم، لكن، علينا أن نقف في مقدّمةٍ أُخرى تحوي بعض الأسانيد المنطقيّة و التفسيرات الاصطلاحيّة التي سنسير بها سويّاً في هذه الخواطر، و نحاول إسناد المصطلحات التي سنستخدمها لأقرب شائعٍ لها في أمّتنا بأيّ لغةٍ كانت، في أوّل مرّةٍ نأتي على ذكر مصطلحٍ ما، ثمّ أكتفي بذكره بالطريقة التي أرى أنّها الأنسب في مقامنا هذا.
و للحديث بقية ...

May 21, 2016

توحّد | مصطفى سعيد ومجموعة أصيل

في حوار له عن الحفظ الموسيقي، يقول مصطفى سعيد إن “الموسيقى فن مسموع، فكيف ستكتب ما هو مسموع، مهما استطاع الشخص أن يصف لوحة لن يستطيع أن يصفها كما هي مرسومة“. لو صحّت الجملة السابقة، فهل من الجائز قراءة العمل الموسيقي نفسه باعتباره معارضة موسيقية لكتابة سابقة؟ أعني هل ذِكر إلهام اللحن مهم لقراءة تلك الموسيقى أم معيق له؟ ألا تشكّل تلك الإحالة إلى مقال توحّد نوعًا من تقييد آفاق التفسير أو توجيه السامع لقراءة العمل الموسيقي بوصفه محض ترجمة لمقال سياسي؟ أرّقني هذا السؤال قبل الاستماع وبعده.

رغم عنوانه الذي يحيلنا إلى مرض يعيق التواصل بين من يعانيه ومحيطه، لا يعجز توحّد عن التواصل مع المستمع بأي حال، بل يصيبه بحالة توحّد مع نغماته. هو إذاً عمل يناقض التعريف المذكور للتوحّد بوصفه “ضعف(اً) في التفاعل الاجتماعي وضعف(اً) في التواصل“1. في كثير من المواضع والجمل اللحنية يمارس العمل استيلاءً كاملًا على ذهن المستمع، وهو استحواذ مميز لكل تلك الموسيقى المقامية القائمة على سلطنة سميعها، استيلاء يستلزم أن يرفق بتحذير “يُحظر الاستماع على قادة المركبات وركاب المترو والحافلات“.

تنتظم وحدات العمل في أربع دورات متتابعة مرتبة ترتيبًا ألفبائيًا أ– عشيران2 ب– ارتجال جـ – شوبش د– نحن، ووحدة أخيرة منفصلة – متصلة بالدورة السابقة عليها (نحن) وهي تعتمد تسلسلًا نغميًا قائماً على البعد المتوسط الطبيعي أو مسافة ثلاثة أرباع النغمة حسب التعبير الشائع.

يفتتح العمل بدولاب من مقام العشيران، والدولاب هو قطعة استهلالية اعتاد موسيقيو عصر النهضة عزفها بدلًا من المقدمة الحالية. البدء بالدولاب هو تأطير لعمل الارتجال لمنع الخروج عن سَيْر اللحن. يتكرر هذا الدولاب ثلاث مرات، مرة سادة – بتعبير الآلاتية – ومرة مزخرفًا ومرة أخيرة بارتجال الآلات عليه. في المرات الثلاث يلتزم الدولاب بالسير التقليدي من بطيء إلى متسارع مع القفلة المفاجئة الممهدة للارتجال اللاحق. يتخلل الثلاث إعادات ارتجالان، أولهما للناي من مقام البياتي وثانيهما للعود من مقام العشيران، ويتغير الدولاب في كل مرة تأثرًا بالارتجال السابق عليه. يسود العزف في دورة العشيران شجنٌ خفيٌ تارة ومعلَنٌ تارة، حتى لو اختبأ في بعض الأحيان في صخب الإيقاع وتداخُل عزف الآلات معًا.

 

الدورة الثانية من دورات العمل هي ارتجال. الارتجال هنا ليس فرديًا حرًا فقط، بل ارتجال جماعي تجاوبي ما بين الآلات جميعها أيضًا، “وإذا كانت ميزة التخت التقليدي هي التمكين من تنفيذ التناغم الأفقي3 فإن عمل فرقة أصيل يعتمد، خصوصاً في هذا العمل، على تناغم أفقي واضح“. هذا التناغم الأفقي4، قائم على الغَزَل بين الآلات مختلفة الأجناس وبعضها البعض. تبدأ الدورة بارتجال منفرد من القانون يمارس غسان سحاب فيه كل الألعاب الممكنة باستدعاء أصوات حادة مختلفة غير شائعة لكسر أفق توقعات السامع، ثم يدخل العود لاحقًا في حوار مرتجل مع القانون. في هذا الحوار يستدعي العود حالة الحنين بتشابهه مع ألحان قديمة يُلمح العزف لها دون الوقوع في فخ اقتباسها، ثم تنتهي تلك الدورة بارتجال جماعي من الآلات كلها على دورة إيقاعية كبيرة ميزانها ١٢٨، وهو ميزان مبتكر مركب من وحدات إيقاعية أصغر وأكثر شيوعًا. في هذا الارتجال تمارس الآلات رحلة صوتية باستدعاء كل أطياف الشرق الممكنة، ويتذكر المستمع موسيقى المتوسط والتُرك والكرد والفرس وصولًا للهند وما ورائها، ثم تنهي الآلات رحلتها بعزف الطنبور البغدادي في رش رشيق راقص قبل القفلة المفاجئة، كأنه إعلان للعودة إلى مستقر الرحلة.

الدورة الثالثة هي الأكثر فرحًا واندماجًا وبهجة كما يوحي اسمها، “شوبش يا حبايب على العريس” تلك الجملة الموروثة من الأفراح القديمة، حين كان آلاتية التخت يدعون بها ضيوف العُرس لمنح النقوط، تبدأ تلك الدورة بتقسيم راقص من الناي من مقام الرصد – مش الراست كما يصحح لنا صانع العمل في كتيب الأسطوانة – ليمهد هذا التقسيم للشوبش اللاحق الذي يبدأه إيقاع تحية العريس التقليدية ليجيبه التخت ثم تدخل دورة الشوبش في علاقة حرة للرقص بين الآلات وبعضها. تُذكّر هذه الرقصة بزفة الولي في الموالد الشعبية أكثر مما تذكر بالرقص البلدي السينمائي التجاري، وتخرج كل آلة من عزلتها لتندمج مع اللحن في غَزْل جميل مليئ بالفرح كثوب ملون، ثم تنتهي بقفلة مفاجئة، والقفلة المفاجئة – الحراقة بالتعبير المصري الدارج – متكررة بشكل ما في وحدات العمل كله.

الدورة الأخيرة من العمل هي إعلان الهوية، اسمها نحن، تبدأ بارتجال حر من آلات الإيقاع. كل آلات الإيقاع المتاحة، دف ورق ودُمبك بل وحتى شوكات رنانة وجرس نحاسي. ارتجال يتحاور فيه العازفون مع آلاتهم ليخرجوا منها أصواتًا غير شائعة، وهو فعل استلزم التنبيه التالي في الكتيب المرفق: “لا يوجد أي تدخل كهربائي أو صناعي في هذا العمل“. هذا الارتجال الحر يستمر جماعيًا لتخرج الآلات أصواتاً غريبة تشنجية تحسب معها إنك في جلسة علاج نفسي جماعي. كل آلة في عالمها المنفصل متوحّدة مع عازفها الهَيمان في ملكوته كما يقول المصريون، وبرغم هذا الانفصال ما بين الآلات أثناء العزف فكلها منتظمة معًا، وهو أمر يُحسب لصانعي العمل. كل آلة تتحاور مع نفسها وتتحدى قدراتها الخاصة دون أن تَنشُز عن رفاقها أو تصارع الآلات المصاحبة. تنتهي تلك الدورة بعودة الآلات إلى حوار جماعي مع رأس المجموعة، العود، في علاقة خاصة ليست رئاسية تسلطية بل تشاورية تبادلية. يعود العود في أول الحوار لعزف لحن مثير للشجن والحنين، يذكر بحواره السابق المرتجل مع القانون في الدورة الثانية من العمل، لكن هذا الحوار سرعان ما يقطعه صخب الآلات جميعها.

يختتم العمل بدورة منفصلة متصلة مع الدورة السابقة سُمّيت: بعد متوسط طبيعي. يمكن تبسيط الدورة نظريًا كسلم مُلون يعتمد مسافة ثلاثة الأرباع – بحسب التسمية الشائعة التي يختلف معها صانع العمل ويعتبرها خاطئة – في هذا السلم تتكرر ثمان نغمات مع جواب النغمة الأولى لا سبع نغمات مثل المقامات العادية. أظن أن هذه الدورة الختامية هي الأكثر جرأة، وهي رغم جرأتها غير منفرة لسامعها الذي لا يحس بأي تركيب غريب على أذنه. هي جرأة تُحسب لصانع العمل بلا شك، ومحاولة نظرية أصيلة من المبكر الحكم عليها من لحن واحد، أتمنى أن يكررها مصطفى سعيد مستقبلاً باستخدام درجات ركوز مختلفة.

الإلهام والإسناد
ما هي علاقة العمل بالمقال المذكور غير العنوان المشترك؟ كان هذا سؤالي الأول قبل الاستماع، أما بعده فقد حصلت على إجابة غير شافية. أظن أن مصطفى سعيد لديه هاجس الإحالة والانتساب ككل مجدد أصيل. هاجس الإسناد بتعبير آخر. يتشارك العمل مع المقال هاجس البحث عن الأجمل والأفضل لا الأسهل، هذا صحيح، لكن آفاق عمل موسيقي تختلف تماماً عن مقال سياسي. غاية سؤالي هو تخوفي الشخصي من إغلاق آفاق التفسير أمام هذا العمل الموسيقي المميز.

على سبيل المثال، مارست لعبة قائمة على الارتجال أثناء الاستماع فأعدت ترتيب الوحدات المُكونة للعمل. وضعت دولاب العشيران المزخرف محل الشوبش واستمعت، ووضعت الشوبش قبل الارتجال الجماعي المنفرد على ميزان ١٢٨ وأنصتّ، كانت لعبتي محاولة لبعثرة العمل وإعادة ترتيبه، لكني لاحظت أن تقسيم العمل لم يكن اعتباطيًا أبدًا ولا وليد عفو الخاطر، فإذا كان من الممكن الاستماع لدواليب العشيران المتتالية مع حذف ارتجالي الناي والقانون، أو الاستماع إلى بعد متوسط طبيعي وحده، فلا يمكن الاستماع إلى شوبش دون الاستماع إلى علاقة رقص حرة التالية له. هذا أفق لعب محتمل لا يُغلق آفاق أخرى محتملة، ولا يغلق الباب أمام ارتجالات شتى ستحدث آجلًا أم عاجلًا خلال عزف العمل على جمهور متلق واعٍ ومحاورة العازفين مع ذلك الجمهور.

تلك الموسيقى في توحّد تحمل سلطنة شجية خاصة، أخشى عليها من تقييد آفاق الاستماع بتفسير متعسف، فحتى لو كان الملهم لتلك الموسيقى مقالٌ سياسي لا ينبغي اعتبارها مجرد ترجمة مباشرة له.

من النواة
يمثل توحّد عملًا فنيًا ناضجًا في مسيرة مصطفى سعيد ومجموعة أصيل، يقوم على أنواع مختلفة من الارتجال الحر الفردي والجماعي5، ويصعب فهمه دون الرجوع لخلفية مصطفى سعيد ومجموعة أصيل.

“تأسّست مجموعة أصيل عام ٢٠٠٣؛ بهدف أداء موسيقى عربيّة جديدة معاصرة على مبدأ التطوير من الداخل؛ أي الاعتماد على التراث الموجود لدينا، ليس لإعادة أدائه أو نسخ القوالب أو الضروب، وإنّما لصنع الجديد مطوّراً منه“. التطوير من الداخل هو ما جعل المجموعة تعتمد على آلات مقامية بالأساس، إما عربية مثل العود (بمختلف طبقاته) والناي والقانون والسنطور، أو مُعربة مثل عائلة الكمان (الصغير والوسط والكبير). دون الالتجاء إلى آلات أخرى عاجزة عن آداء المقامات الشرق–عربية، تلجأ المجموعة لتوسعة آفاق الآلات المتاحة نفسها، فلا تستعير الجيتار الإسباني أو جيتار القرار (البايس) طالما من الممكن عزف نفس الطبقتين من عودين مختلفي الحجم، وهي تجربة مختلفة عن “محاولات العصرنة التي نفذت من عشرات السنين وكانت مرادفًا للتغريب“.
يكتب مصطفى سعيد، الباحث المتميز ومن المعدودين في حقل الموسيقى العربية، والذي يتطور بخطى منتظمة حتى لو شابها بعض العثرات، في كتاب إلى القصبجي:

“لا أعرف ماذا كان قولي وفعلي لو كنت في عصرك، لكنّي أخالفك الرأي، وأشاركك حبّ التجربة. أريد مثلك لموسيقانا أن تتطوّر، لكنّي أريدها أن تتطوّر من نواتها.”

التطور من نواة الموسيقى العربية ذاتها هو مفتاح مهم لقراءة كل أعمال مصطفى سعيد، وخاصة عمله الأخير توحّد، الأنضج من سابقيه، إذ يتضح فيه إلى أي درجة يكون مصطفى سعيد مقيداً في أعماله المغناة مقارنة بمقطوعاته. في أغانيه السياسية يهبط مصطفى سعيد بفنه لمستوى خطابي مباشر، وفي رباعيات الخيام اختار ترجمة أحمد الصافي النجفي الصعبة حتى على القارئ ليصنع منها عملًا لم يكن موفقاً في نظري، على العكس من اسطوانة أصيل التي كانت خطوة جيدة في تطوره لكنها بقيت مدرسية ملتزمة بالقوالب المعروفة. في توحّد يتواصل مصطفى سعيد أكثر فأكثر مع صوته الداخلي ولحنه الذاتي ويبدو ذلك واضحًا في عدم اختيار أي قالب موسيقي معروف لمكونات العمل – باستثناء الدولاب – ولذلك فمن حقه علينا أن ننصت لهذا العمل بتأن واهتمام، في غرفة مغلقة وباستخدام سماعات أذن جيدة، فهو ليس كغيره من الموسيقى التي نشغلها كخلفية مصاحبة لأحداث حياتنا اليومية. حق مصطفى سعيد وزملاؤه علينا أن نستمع جيدًا إلى هذا العمل، قبل أن نحكم عليه من عنوانه.

ياسر عبدالله

نشر في معازف

May 12, 2016

توحّد” مصطفى سعيد: تعيين “داخل” الموسيقى العربية.. لتطويره”

في حديثه عن الموسيقى العربية الكلاسيكية أو "الفصحى"، دائما ما يتكرر عند الموسيقي المعروف مصطفى سعيد تعبير "التطوير من الداخل". يضعنا هذا أمام تساؤل: ما هو هذا الداخل؟ وكيف نستطيع تحديده، كمستمعين لمقطوعة سعيد الأخيرة "توحد" التي يطلقها اليوم مع فرقته "أصيل"؟

يقول سعيد في حديث لـ"المدن" أن الموسيقى العربية التي يحاول "تطويرها"، توقفت منذ الثلث الثاني من القرن العشرين، واستمرارها الوحيد كان في بعض أشكال الإنشاد الديني. يمكن إذاً وصف "الداخل" الذي يريد سعيد تطوير الموسيقى العربية من خلاله بأنه "داخل متوقف" أو "متجمّد" موسيقياً منذ أزمنة متعددة. حاول سعيد الإمساك بهذا "الداخل" وبدأ بإزالة الجليد المتراكم عنه في مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية (AMAR) التي يديرها منذ العام 2010. تحوي المؤسسة أكثر من عشرة آلاف صوت عتيق و"باهت" كان محفوظا في اسطوانات، منذ بداية التسجيل الصوتي أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلث الثاني من القرن الماضي. يحاول سعيد معالجة تلك الأصوات وإعادة قراءتها من خلال معدات تتطور بشكل متسارع. وصار في إمكان ذلك الصوت العتيق ان يظهر اليوم بطريقة جديدة وبأن يعاد إحياؤه.

تبدأ مقطوعة "توحّد" من ذلك المكان العتيق وتحديدا من "دولاب عشيران" الذي يحيل الى موسيقى القرن التاسع عشر. يبدأ سعيد من تلك النغمات التقليدية التي تشكل الصوت الداخلي لأعماله بشكل عام، ثم يأخذنا منها الى أمكنة أخرى يختلط فيها الأليف و"القديم" مع الإرتجالي و"الجديد". لا يمكن إذاً الوصول الى "جديد" من دون الخروج من مكان قديم يعتبر شرط وجوده.

ولا يمكن كذلك تحديد "الداخل" الذي ينطلق منه سعيد من دون تحديد "الخارج" الذي يريد الوصول اليه. ينقسم هذا "الخارج"، وهو متطور حكما، الى نوعين: الأول نصل إليه انطلاقا من الداخل أو النواة وينطبق هذا على عمله "توحد"، أما الثاني فهو ذلك الخارج الذي نصل إليه عن طريق استعارة أساليب موسيقى دارجة وغير مرتبطة مع "النواة"، مثل الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية أو أنماط الروك أو الجاز وغيرها. ينطبق هذا على الأعمال الموسيقية العربية المهيمنة منذ الثلاثينيات، والتي تضم أعمال أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهما.

هكذا يعتبر عمل سعيد نقداً واضحاً للنوع الثاني الذي يصفه بـ"موسيقى السلطة" والتي بدأت من خلال اتفاق الموسيقيين العرب خلال الثلاثينات على منهجية الوصول الى التطور عبر مسارات الموسيقى الأوروبية. لا ينفصل هذا عن سيطرة فكر الحداثة يومها على نخب العالم العربي، والذي يقول إن حاضرنا نحن العرب ليس سوى "ماضي" أوروبا، وإن كان علينا الوصول الى واقع جديد ومتطور يجب علينا سلوك خطى الأوروبيين في السابق والتي أوصلتهم الى ما هم عليه.

يضع هذا سعيد في تعارض مع السائد اليوم. فالموسيقى العربية التي يتحدث عنها لم تعد موجودة وقد أصبحت مختفية رغم محاولات توثيقها. أطلق سعيد على مقطوعته اسم "توحّد"، مستعيراً عنوان مقالة سياسية للناشط المصري علاء عبد الفتاح. يقول عبد الفتاح في المقالة: "نعيش كلنا وفقًا لمنظومة معقدة ومركبة ومتغيرة، لا يحتاج أغلبنا لتعلم تفاصيلها في البيت أو المدرسة، لكن يقف أغلب المتعايشين مع التوحد أمامها عاجزين؛ فتزيد عزلتهم إلا إذا بذل أحدهم الجهد المطلوب لتعليمهم المنهج الضمني"... يتماهى سعيد مع توصيف عبد الفتاح للتوحد، فهو اليوم يعيش تلك العزلة، رافضاً الدخول في الدارج. ينتمي سعيد الى مكان مهمّش ومتعارض حكماً مع "المنهج الضمني" السائد والمهيمن.

لكن على الرغم من تعارضه مع المهيمن عربياً، فإن سعيد على توافق مع حركة عالمية أكبر. يقول مثلاً: "هناك موسيقى فصحى في أوروبا وفي الهند وإيران ووسط آسيا والمغرب وأنا أستغرب إلغاءها عندنا منذ زمن طويل". كما يقر سعيد بأن الإعتراف الأوروبي بأعماله أكبر، والجمهور الأوروبي "معتاد على سماع أصوات متعددة"، على عكسنا نحن العاجزين سوى عن اللحاق بصوت واحد دارج في زمن معين. هكذا في محاولة سعيد، تكريس موسيقى عربية فصحى "أصيلة" يبدو منشدّاً الى سائد عالمي كي لا نقول أوروبي، أعاد الإعتراف بموسيقى الشعوب وأساليب تطورها الداخلية والتي تحاول البحث عن ذلك الأصل أو تلك النواة التي على كل شعب من شعوب ما بعد الإستعمار الإنطلاق منها لصناعة شخصية متفرّدة يرتكز عليها، عوضاً عن "نواة" أوروبية ومركزية يدور حولها.

يقع عمل "توحّد" بين هذه التناقضات كلها. فهو يتحدث مع جمهور عربي لم يعد معتادا على تلك الموسيقى، وفي حال قرر سماع العمل يبدو أن عليه بذل مجهود مضاعف لفهم المسارات التي يحاول أخذها. لكن ما يبدو ضرورياً قوله في النهاية أن العمل أقل ما يقال عنه بأنه يستحق أن نخطو نحوه خطوه اضافية ستمكننا حكماً من اكتشاف كنز موسيقي لعازف استثنائي ونادر اليوم في الموسيقى العربية.

* من نغم مصطفى سعيد وأداء مجموعة أصيل للموسيقى الفُصحى العربيّة المعاصرة، يُطلق إصدار «توحُّد» يوم الخميس 12 مايو/أيار 2016 في حفلة موسيقية في "مسرح المدينة" في بيروت، وقد سُجل في لقطة واحدة كمقطوعة تتجلّى بلا انقطاع لمدة 48 دقيقة، يؤديها 12 عازفاً مع آلاتهم الـ15.

تتكون مجموعة "أصيل" من محمّد عنتر، عبد الرضا قبيسي، مصطفى سعيد، خليل البابا، علي الحوت، غسّان سحّاب، جُس تُرْنْبُل، عماد حشيشو، بلال بيطار، فرح قدّور، رضا بيطار، فراس العنداري، عازفين على 15 آلة بما في ذلك عود، عود كبير، عود صغير، كمان، كمان وسـط، كمان كبيـر، قانون، سـنطور، طنبـور اسطنبولي، طنبـور بغـدادي، ناي (طبقة سفرجة، وطبقة جواب نصور) رّق، طبلـة بلـدي،ُ دمَبك،ُ دمَبـك ُزرخـانـة، عصي إيقاعيــة مختلفــة، شـوك دوزان وصحـن الجـرس النحـاس.

حسن الساحلي

نشر في المدن

April 25, 2016

مصطفى سعيد يلتحف «بُردة» البرغوثي ملحمة مقامية مترامية الأطراف

 

سحر طه

لن يختلف اثنان، استمعا الى أسطوانة «بُردة» للموسيقي المصري مصطفى سعيد، والشاعر الشاب تميم البرغوثي، بأن فيها بعض غرابة على الأذن والوعي، بطريقة إيجابية، ولا بد من الشعور حتى لغير المتخصص، بأنها عمل ذو قيمة فنية عالية، لما حوته من عناصر مكتملة النصاب.

الإضاءة على كل أركان الأسطوانة التي جعلت لها مكانة رفيعة وتفرداً بين اصدارات هذا العصر، يتعذر علينا في هذه العجالة، كونها عملاً مترامي الأطراف، متشعب المسالك والمسافات، متعدد المكونات، إذ هي أشبه بعمل ملحمي بلا حدود ولا نهايات، لكننا نحاول هنا قدر الامكان الإضاءة (وليس تحليل) على المحتوى الموسيقي على وجه الخصوص.

ورغم أن «بُردة» البرغوثي، معارضة لـ«بردة» البوصيري، ومن ثم «نهج البردة» لشوقي، ورغم تباعد الأزمان بين البردة الأولى والثانية والثالثة، إلا أن القاسم المشترك بينها هو الإنسان. وما يتعرض له من أحداث، تبدو شديدة الشبه، وكأنها تتكرر، رغم مرور الزمن، ورغم تغير الوجوه، والأمكنة، ولأن البرغوثي سليل ذاك الإنسان، أيضاً، ومرّ بظروف أشبه بما خَبره صاحبا البردتين السابقتين، والتي دفعته الى كتابة بردته في الألفية الثالثة، شارحاً ظروف كتابتها بالتفصيل في كتيب الاسطوانة المذكورة. لذا فإن حديثنا هنا بعيد من تناول القيمة الأدبية لشعر البرغوثي، كونه ليس من اختصاصنا.

كما ان سطورنا هنا ليست مقارنة، ولا مقاربة موسيقية بين «بردة» السنباطي لأم كلثوم، و»بردة» مصطفى سعيد، على أهمية تناول الأمر وضرورته، لكن في غير آن، بل من باب إبراز القيمة الموسيقية لهذا العمل، وماهية عناصر الابداع فيه وأسباب فرادته.

بالنسبة للموسيقى التي وضعها مصطفى سعيد لقصيدة «بُردة»، فإن مسألة الإبداع فيها تعدّ مرادفة للتجديد والابتكار، رغم ان البعض يستشعر فيها نبرة تراثية قديمة، فيما البعض الآخر يشعر بوجود شيء ما مختلف عن التراث، أو اصوات مغايرة، وغالباً ما يحمل إلينا ما لم نتوقعه، يسحب شيئاً ما في داخلنا وكأننا ننطلق معه الى عوالم فسيحة، والحقيقة ان كل من هؤلاء على حق، فالصيغ التي يعتمدها سعيد في صياغة ألحانه وبلورتها، تقوم على هذا المزيج المتماهي بين التراثي والحديث من دون الشعور بانفصال او حواجز بينهما بل ينسابان معاً في ليونة محببة، واضحة متأصلة في الأداء الصوتي والموسيقي، ومن ميزاته أنه يدهشنا، بما يمتلكه من وعي ومخزون من شتى مشارب الموسيقى العربية ومن بلدان مختلفة، فهو لم يتقوقع داخل موسيقى عصر النهضة المصرية، رغم نشأته عليها، بل انفتح على مدارس وخصوصيات موسيقى المغرب العربي ونهل من منابع «المقام العراقي» وتقاليد سلالمه الغريبة وغير المتداولة في بلدان أخرى، كما انفتح على ايقاعات تلك البلدان ايضاً، وهذا لم يأت إلا بعد دراسة وتمحيص وجهود سنوات من التمرس لكي تأتي ألحانه بهذا التنوع الرهيف وبالغ الفرادة، حدّ «الإدهاش» و»المفاجأة».

يغني الارتجالات فتعتقد لوهلة بأنك تسمع صوت أحد شيوخ اوائل القرن العشرين، المسلوب، الحامولي، عثمان، زكريا احمد..الخ. وما يلبث أن يفاجئك ببحة صوت أشبه بتقنيات مغني المقام العراقي محمد القبانجي او يوسف عمر، ومن ثم يوقظ الروح بإيقاع الجورجينا العراقي الخفيف الظل، ولا يترك للمستمع لمحة استراحة او ملل او خمول، فيتحول الى ايقاع مركب ومعقد هو «المحجّر»، الذي كان يستخدم في بعض الموشحات، ويستند اساساً على مقامات وسلالم عربية اصيلة «كالسيكاه» و»الجهاركاه» و»بنجكاه» وغيرها من السلالم التي هجرها ملحنو اليوم، لأسباب ليس أولها الجهل بالمقامات الشرقية، ولا آخرها استخدام آلات كهربائية غربية في التلحين.

ومن الممتع الاستماع الى «الوصلة»، التي حضرت مع لحن سعيد للبردة، وهي اختفت ايضاً مع ما اختفى من قوالب، خاصة التي كانت معتمدة في الحفلات، من دون التقيد الحرفي بل في إطار رؤيته هو لمفهوم الوصلة، حيث التصاعد اللحني وما يتطلبه الشعر والاحساس ببداية بطيئة الايقاع خفيضة النغم تمهيداً رويداً، لتصاعد المشاعر والطرب والوصول الى قمة السلطنة غناءً وموسيقى.

ولم تقتصر ثقافة سعيد الموسيقية وسعة اطلاعه على موسيقات عربية، بل وعلى أهمية فهم واستيعاب التمازج بين موسيقانا والموسيقى التركية والفارسية، والاستفادة منها بما يتلاءم وطبيعة تقاليدنا الموسيقية العربية، وإمكانات سعيد واسعة في هذا المجال كما أظهرت ألحانه.

ومصطفى سعيد، اضافة الى ما ذكرناه، فهو يعتبر أول موسيقي يبتكر فرقة موسيقية، «أصيل» بمواصفات عربية مشرقية شاملة، من دون ادخال آلة غربية. كانت في البداية تختاً موسيقياً تقليدياً عام 2003، عود وقانون وناي وايقاع، وبدأ سعيد يضيف آلات اخرى إليها لإغنائها مع إبقائها في مناخ شرقي بحت، فأضاف البزق، ثم «عود الباص» ثم «السنطور»، واليوم جعل لعائلة العود مكانة هامة، بأصواتها الحادة والمتوسطة والخفيضة (باص)، بديلاً من استخدام آلة الغيتار الغربية (الباص) او (الكونترباص) مثلاً، وبذلك منح الموسيقى صوتاً دافئاً كقاعدة متينة تستند اليها الاصوات الاخرى، كما استفاد من عائلة الكمان (السوبرانو) و(الفيولا) الوسط، و(التشيللو) كونها وترية تنطق ربع الصوت الشرقي، وبات «السنطور» الى جانب «القانون» جزءاً من فرقة سعيد، وهي الآلة المستخدمة في العراق وتحديداً في غناء قالب «المقام العراقي»، وتستخدم في إيران ايضاً، حيث هام مصطفى بموسيقاها وآلاتها مثل آلة «الزرب» أو (الضرب الطبلة) التي تختلف عن الطبلة العربية كما آلات «البندير» و»الطارة» بأنواعها.

إذاً هو شغف الموسيقي سعيد، بكل ما هو جديد ومختلف وغير متداول ومؤثر، ويمنح الفخامة والرهبة في آن، وما يجعل المستمع ينصت باهتمام، فتعلق الأنغام في ذهنه وذاكرته السمعية والوجدانية، وكل ما يصب في تغذية مخزونه، وتجديد دمائه الموسيقية، من دون اللجوء الى تقليد الغرب او الاقتباس منه او استعارة آلاته، وبرأينا هذه العناصر معاً شكّلت شخصية مصطفى سعيد الموسيقية المختلفة، وهذا ما قصده في عبارته التي ذيل بها غلاف اسطوانته بقوله تحت عنوان «بردة»، وصلة من المقام العربي المعاصر، «تجرّؤ على التراث تمرّد على الحداثة».

نعلم ان اسطوانة «بُردة» لن تنال الإنصاف الذي تستحقه اليوم، لكن الأكيد أن التاريخ سينصفها بعد سنوات.

نشرت في المستقبل

أمسية يوم ٢٥ تشرين الأول مع الفنان مصطفى سعيد في مهرجان العود السنوي في دورته الأولى على مسرح أبراج

مسرح أبراج يقدم ..

مهرجان العود السنوي

في دورته الأولى

الأمسية الأولى يقدمها الفنان مصطفى سعيد

يوم ٢٥ أكتوبر تشرين الأول

على مسرح أبراج، فرن الشباك

في الساعة الثامنة مساء

والدعوة عامة

خواطر شخصيّة، في الذائقة النغميّة‎: النغم و المبدأ

وأمّا النغم الحقّ فهو ما صدق صاحبه فيه مع نفسه، دارجاً كان أو فصيحاً أو شعبيّاً، دينيّاً أو دنيويّاً، آليّاً أو غنائيّاً، لا فرق في هذا بين تجاريٍّ أو معارضٍ لسلطةٍ أو متملّقٍ لها.
أضرب هنا مثلاً مطربتين التقيت كليهما في وقتٍ متقاربٍ بين عامي 2010، و 2011 إحداهما في بيت صديقٍ عزيزٍ بالقاهرة، و الأُخرى في بيت صديقٍ عزيزٍ بجبل لبنان. أمّا من التقيتها في القاهرة، فهي عندي الأجود والأمهر. قالت: أنّنا قد ربينا على السمع والطاعة، أن لا يكون لنا طموحٌ خارج ما اتّخذنا من مهنة، لا نعارض سلطةً بدءاً من سلطة الأب في البيت وصولاً لسلطة الأب الحاكم، إنّما أغنّي لمن يريد سماعي، وأستفيد من غنائي لنفسي قدر المستطاع.

و قالت الأُخرى كلاماً مفاده أنّ الفنّ رسالةً وأنّي أحبّ الفنّ الملتزم، و أغنّي لبلدي لأنّي أحبّ بلدي و أحبّ حكومة بلدي.
المفاجأة، أنّ الأولى استمرّت في ما هي عليه، محترمةً في هذا مبدئها، و لو نظر إليه البعض أنّ فيه تملّقٌ للحاكم، لكنّها في نظري احترمت نفسها و لم تؤذِ في ما يراه البعض تملّقاً، أحدًا. أمّا الثانية، فبمجرّد أن جاءتها فرصة الغناء الاستهلاكيّ و التصوير المصاحب للغناء الدارج المعروف في الفضائيّات بالفيديوكليب، فلم تتورّع عن خوض غماره حتّى مع شركة إنتاجٍ متواضعةٍ في هذا المكان من سوق تجارة النغم. فانطبق عليها بامتيازٍ مثل الرقص على السلّم.

أمسية من العود المنفرد مع مصطفى سعيد للموسيقى العربية المعاصرة

موعدكم مع أمسية من العود المنفرد مع مصطفى سعيد في الموسيقى العربية المعاصرة على خشبة مسرح أبراج يوم الرابع من أكتوبر تشرين الأول ٢٠١٨ الساعة ٨ مساء.

 

Mustafa Sadi will be giving a solo Oud concert on the 4th of Ocotober in Beirut, on Abraj Theater, on the 4th of October 2018 at 8pm.

 

 

أمسية من العود المنفرد مع مصطفى سعيد للموسيقى العربية المعاصرة

موعدكم مع أمسية من العود المنفرد مع مصطفى سعيد في الموسيقى العربية المعاصرة على خشبة مسرح أبراج يوم الرابع من أكتوبر تشرين الأول ٢٠١٨ الساعة ٨ مساء.

Hurray up!

Mustafa Sadi will be giving a solo Oud concert on the 4th of Ocotober in Beirut, on Abraj Theater, on the 4th of October 2018 at 8pm.