ولنترك مصنفات النغم إلى حكاية من كتاب الأغاني لاجتماع موسيقيٍّ طويلٍ من هذه الاجتماعات؛ حيث اجتمع قطبان من أقطاب النغم حينئذ، ابن سُريج وعزّة الميلاء.
لنترك مقدمة الحكاية المذكورة في المجلد الرابع، ص180: من طبعة المطبعة الحجرية؛ حيث طرائف أشعب، إلى المطلوب منها:
خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين
ينتهي سند الحكاية عند مصعب الزبيري من أكثر من مصدرٍ نعرض عن ذكرها، ومن شاء الرجوع للأصل:
دملج سكينة في يده:
أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالاً، فرمت به إليه، ثم قالت: أقسمت عليك لمّا أدخلته في يدك ففعل ذلك.
استدعاء عزّة الميلاء
ثم قالت لأشعب: اذهب إلى عزّة فأقرئها منِّي السلام وأعلمها أن عبيداً عندنا فلتأتنا متفضلة بالزيارة. فأتاها أشعب فأعلمها فأسرعت المجيء فتحدَّثوا باقي ليلتهم في مذاهب الغناء وأخبار المغنين والشعراء. ثم أمرت عبيداً (أي ابن سُريج) وأشعب، فخرجا فناما في حجرة مواليها.
مجلس غناء
فلمَّا أصبحت هُيئ لهم غداؤهم، وأذنت لابن سريج فدخل فتغدى قريباً منها مع أشعب ومواليها، وقعدت هي مع عزّة؛ وخاصة جواريها، فلمَّا فرغوا من الغداء قالت: يا عزّ (أي عزّة الميلاء) إن رأيتِ أن تغنينا فافعلي. قالت: إي وعيشك. فتغنت لحنها في شعر عنترة العبسي:
حيّيت من طللٍ تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
فقال ابن سريج: أحسنتِ والله يا عزّة! وأخرجت سكينة الدملج الآخر من يدها فرمته إلى عزّة، وقالت: صيري هذا في يدك ففعلت. ثم قالت لعبيد: هات غنّنا. فقال: حسبكِ ما سمعتِ البارحة. فقالت: لا بد أن تغنّينا في كلّ يومٍ لحناً. فلمَّا رأى ابن سريج أنه لا يقدر على الامتناع مما تسأله غنَّى:
قالت من أنت على ذكرٍ فقلت لها أنا الذي ساقه للحين مقدار
قد حان منك فلا تبعد بك الدار بينٌ وفي البين للمتبول إضرار
ثم قالت لعزة في اليوم الثاني: غنِّي فغنَّت لحنها في شعر الحارث بن خالد -ولابن محرز فيه لحن- ولحن عزة أحسنهما:
وقرّت بها عيني وقد كنت قبلها كثير البكاء مشفقاً من صدودها
وبشرة خودٍ مثل تمثال بيعةٍ تظلّ النصارى حوله يوم عيدها
قال ابن سريج: والله ما سمعت مثل هذا قط حسناً ولا طيباً.
ثم قالت لابن سريج: هات فاندفع يغني:
أرقت فلم أنم طرباً وبتّ مسهداً نصبا
لطيف أحبّ خلق الله إنساناً وإن غضبا
ولكن صرّمت حبلي فأمسى الحبل منقضبا
فقالت سكينة: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك ولم نردك. وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام فاذهب في حفظ الله وكلاءته.
ثم قالت لعزة: إذا شئت. ودعت لها بحلة ولابن سريج بمثلها. فانصرفت عزة وأقام ابن سريج حتى انقضت ليلته وانصرف فمضى من وجهه إلى مكة راجعاً.
هذا اجتماعٌ لأشهر مغنٍّ في مكّة وأشهر مغنيات المدينة في بيت من كان الناس ينادونها: يا بنت رسول الله.