شهادةٌ وخطابٌ واعترافٌ بجميلٍ ردّه محال:
قد لا يروق ما أكتبه لقارئٍ يحبّ الكتابة الرصينة المستندة دوماً لقواعد علميّةٍ وصياغةٍ حياديّة، فما سأكتبه غير حياديّ، فمن أكتب عنه هو أحد أساتذتي في عزف العود، وفي شيءٍ آخر، جُرأة التجربة.
إذا سمعته، تسمع فيه صداً لروح الحاجّ سيّد السويسي، وغيره ممّن كُتِب عنهم ولم يسجّلوا، كأحمد الليثي، ريشةٌ صعودها لا يختلف في الصوت عن هبوطها، تتحرّك بالإبهام والسبّابة، قريبةٌ للوتر، يمكن من سماع الناتج العزفيّ بسهولةٍ معرفة أنّ الريشة ليست ليّنة، وأنّ إبهام وسبّابة يده اليمنى هما الليّنان. من رشاقة يده اليسرى تستطيع أن تميّز مدى قرب إصبعه من الوتر، ومن قرب صوت الوتر المعفوق من الوتر المطلق، تستطيع أن تتأكّد أنّ الضغط على الوتر يتمّ بمقدّمة الأصبع. تستطيع بسهولةٍ أيضاً أن ترى مدى التوافق العضليّ بين يمناه ويسراه حين يعفق بإصبعه على وتر العشيران مستحضراً نغمة الراست أثناء عزفه جوابها، أي الكردان، بالريشة، كما تستطيع فهم مدى طواعية الآلة في يده وتلبيتها فكره من سرعة الريشة وتلبية يده اليسرى لهذه السرعة مع تقنيّات الكتم وطريقة الريشة المستمرّة والأوضاع على رقبة العود وحتّى الدخول بيده اليسرى داخل الصندوق إلى ما بعد الرقبة.
يا سلام! ماذا وراء هذه التقنيّات، هو عازفٌ مميّز، لا شكّ! لكنّه موسيقيٌّ مجرّب، يندر أن يجود الزمان بمثله.
سُئل أحد كبار الملحّنين عن لحنٍ له: لماذا يشبه هذا اللحن القصبجي؟
أجاب: مَن منّا لم يُشبه القصبجي في مرحلةٍ ما؟ لقد كان القصبجي حالةً نغميّةً، لا ملحّناً فرداً.
ملحوظة: هذا الملحّن أشهر بكثيرٍ لدى عموم المستمعين من القصبجي، بل أنّه طعن عليه واستهزأ به في حضوره وغيابه، فقط، بدعوى أنّه الأشهر.
حسناً: سيّدي الأستاذ محمّد بن الشيخ علي القصبجي: يا تربية المشايخ وحلقات الذكر: يا ذا الخيال الخصب الفصيح الصِرف في التقسيم وصياغة الألحان: يا حالةً متجسّدَةً من صراع التطوّر الحضاريّ.
كنت تريد نقل الأوبرا لموسيقاك العربيّة، كنت تتحفّظ على من ينقلون الألحان، فكنت تريد أن تنقل الحالة لا النغم.
لا أعرف ماذا كان قولي وفعلي لو كنت في عصرك، لكنّي أخالفك الرأي، وأشاركك حبّ التجربة.
أريد مثلك لموسيقانا أن تتطوّر، لكنّي أريدها أن تتطوّر من نواتها.
لو كنتَ في عصري: هل كنت لتشاركني الرأي؟
أنت أستاذي في عزف العود وفي حبّ التجربة.
إلى اللقاء.
مصطفى سعيد