ثم دخلتْ على مولاتها، وخرجت؛ فقالت: أيّكم جرير؟ فقال لها: هأنذا. فقالت: أنت القائل:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا حين الزيارة فارجعي بسلام
تجري السواك على أغرّ كأنه بردٌ تحدّر من متون غمام
لو كان عهدك كالّذي حدّثتنا لوصلت ذاك فكان غير رمام
إنّي أواصل من أردتُ وصاله بحبال لا صلف ولا لوّام
قال: نعم. قالت: أفلا أخذتَ بيدها، ورحبتَ بها، وقلت لها ما يُقال لمثلها؟ أنت عفيف وفيك ضعف. خذْ هذه الألف، والحق بأهلك. ثم دخلت على مولاتها، وخرجت؛ فقالت:
أيّكم كثير فقال: هأنذا. فقالت: أنت القائل:
وأعجبني -يا عزّ- منك خلائقُ كرامٌ إذا عدّ الخلائق أربع
دُنُوَّك حتّى يذكر الجاهل الصبا ودفعك أسباب المنى حين يطمع
وقطعك أسباب الكريم ووصلك الـ – لئيم وخلّات المكارم ترفع
فوالله ما يدري كريمٌ مماطلٌ أينساك إذ باعدت أم يتضرّع
قال: نعم. قالت: ملحت وشكلت. خذ هذه الثلاثة آلاف، والحق بأهلك.
ثم دخلت إلى مولاتها، وخرجت؛ فقالت: أيّكم نصيب؟ قال: هأنذا. قالت: أأنت القائل:
ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار
بنفسي كلّ مهضومٍ حشاها إذا ظلمت فليس لها انتصار
قال: نعم. قالت: ربّيتنا صغاراً، ومدحتنا كباراً. خذ هذه الأربعة آلاف والحق بأهلك.
ثم دخلت على مولاتها، وخرجت؛ فقالت: يا جميل، مولاتي تقرئك السلام، وتقولُ لك: والله ما زالت مشتاقةً لرؤيتك منذ سمعتْ قولك:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً بوادي القرى إنّي إذاً لسعيد
لكلّ حديثٍ بينهنّ بشاشةٌ وكلّ قتيلٍ عندهنّ شهيد
جعلت حديثنا بشاشة، وقتلانا شهداء؛ خذ هذه الأربعة آلاف دينار، والحق بأهلك”.