طموحه للرئاسة جعله ينقلب على ابن أخيه المأمون؛ كان المأمون قبل هذا انتصر على أخيه الأمين، فلم يعجزه الانتصار عليه بجهد أقل بكثير.
كان يحب الغناء وبرع فيه؛ لكن كان يأنف منه ويخفي هذا وراء تهكمه على المغنين أنه يغنِّي تلذذاً ويغنُّون هم تكسُّباً.
ولنقرأ إجمال أبي الفرج هذا المعنى في المجلد الثاني ص851:
“صنعة أولاد الخلفاء الذكور منهم والإناث: فأولهم وأتقنهم صنعةً وأشهرهم ذكراً في الغناء إبراهيم بن المهدي، فإنه كان يتحقَّق به تحقُّقاً شديداً، ويبتذل نفسه ولا يستتر منه ولا يحاشي أحداً. وكان في أول أمره لا يفعل ذلك إلا من وراء ستر وعلى حال تصوُّنٍ عنه وترفُّع، إلا أن يدعوه إليه الرشيد في خلوةٍ والأمين بعده. فلمَّا أمّنه المأمون، تهتّك بالغناء وشرب النبيذ بحضرته والخروج من عنده ثملاً مع المغنين خوفاً منه (أي المأمون) وإظهاراً له أنه قد خلع ربقة الخلافة من عنقه وهتك ستره فيها حتى صار لا يصلح لها.
وكان إبراهيم مع علمه وطبعه مقصراً عن أداء الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته؛ فكان يحذف نغم الأغاني كثيرة العمل حذفاً شديداً، ويخففها على قدر ما يصلح له ويفي بأدائه. فإذا عِيب ذلك عليه قال: أنا ملكٌ وابن ملك، أغنِّي كما أشتهي وعلى ما ألتذّ. فهو أول مَن أفسد الغناء القديم وجعل للناس طريقاً إلى الجسارة على تغييره”.