في الأمم التي ينتشر فيها الظُلم، ينتشر فيها بالمِثل حبّ القديم، وعدم مساسه بالنقد ولا حتّى الاستفادة من أخطائه. مَن يستطيع تخطيء السلف الصالح في الدين أو السياسة أو النغم!
حين طالعت بعض كتب التراث في الشِعر مثلاً: وجدت بعض الرواة ينقدون شاعراً في مكانة النابغة الذبيانيّ أنّ في شعره إقواء، وبصرف النظر عن تعريف الإقواء، لكن، تعدّى هذا أنّ شاعراً كجرير في إحدى مجالسه نقد قصيدةً نظمها هو، فنرى أيضاً مجاوزة نقد الأقدمين إلى فكرة النقد الذاتيّ.
ماذا لو قُلنا أنّ الكثير من نجوم الطرب في القرن العشرين في أمّتنا هم صنعة إعلامٍ وسلطةٍ أكثر من جودة نغمٍ أو عظيم موهبة؟
ماذا لو قلنا أنّ تمجيدنا للأقدمين من أوّل عبده الحمولي ومحمّد عثمان، مروراً بيوسف المنيلاوي وعبد الحيّ حلمي وسلامة حجازي وسيّد درويش، وصولاً لأمّ كلثوم إبراهيم ومحمّد عبد الوهّاب ورياض السنباطي ومحمّد القصبجي وزكريّا أحمد والأخوين أسمهان وفريد الأطرش ومن تلاهم من عبد الحليم حافظ الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وبليغ حمدي وكمال الطويل ومحمّد الموجي، والأسماء لا تنقطع في كلّ عصر:
أقول: لماذا نضع هؤلاء في مرتبةٍ لا يجوز نقدهم أو حتّى إبراز ما يمكن أن تكون أخطاءاً، لماذا تُدارى الأخطاء ولا يُستفاد منها؟ لماذا نركّز في تفاصيل حياتهم الشخصيّة؟ لماذا نهتمّ بحياتهم الشخصيّة أصلاً؟ لماذا لا ننظر للشخص بعمله، يأخذ بمحاسنه ويُستفاد من خطئه؟
الظنّ عندي أنّ هذه الأعمال السينمائيّة والتلفزيونيّة التي جعلت من أولئك الأشخاص ملائكةً تمشي على الأرض أساءت لهؤلاء الناس الذي لم يُرِد أغلبهم إلّا أن يكون ذا فنٍّ وغير هذا هو واحدٌ بين الناس.