سيسألني البعض، لماذا جئت بأسماء من الموسيقى الفصحى الأوربّيّة دون غيرها وقلتَ أنّك تطرب لهذه الأسماء؟
أُجيب: أمّا عن اختياري التقليد النغميّ الأوربيّ الفصيح، فسببه اشتهاره بين الناس أنّه الأكثر تعبيراً والأقلّ تطريباً، وأمّا عن اختياري للأسماء، فببساطة هي ما أتت
على رأسي، قد أكون سمعت بعضها حديثاً فكانت الأسبق للقفز إلى لوحة المفاتيح!
ما علينا، حاصلُهُ، أنّي وجدتُ أكثر الأنغام المعبّرة عن شعور الإنسان في المطلق، هي التقاليد الفُصحى، و وجدت أكثر التقاليد قرباً من التعبير الحسّي المباشر عن أحوال الإنسان من فرحٍ وترحٍ وعملٍ وانتصارٍ وانكسار، هي التقاليد الأكثر نصيباً من الازدراء لدى حضرات النقّاد الموقّرين، أعني التقاليد الشعبيّة للريف والبادية وسكّان المدن من العمّال. لماذا لم يختر نقّادنا الأفاضل إحدى هذه الألحان للتمثيل على التعبير، و يتحفوننا دوماً بما هو مستورَدٍ كتمثيلٍ عن التعبير؟
و سؤالٌ مهمّ: ما الفرق بين الحالة التي يصل لها المستمع من التعبير عن تلك التي يصلها من التطريب؟ اعذروا جهلي!
وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكر، فإنّني لم أعهد في حياتي سوى حالين، خَبَرتُهما عند الناس قبل قراءتي عنهما في علم نفس الصوت،psychoacoustic هذان الحالتان هما نشوةٌ هادئة، وهي التي يصل لها الإنسان حين يسمع صوتاً يطرَب له يكون الصوت فيه منخفضاً أو متوسّط العلوّ، لا أعني الطبقة، لكن أعني علوّ الصوت نفسه، فهذه النشوة يصل لها بالشعور والإدراك والفهم المباشر لما يسمع. والحال الثانية هي النشوة العصبيّة، وهي تأتي عبر صوتٍ متكرّرٍ ومرتفعٌ يؤثّر تأثيراً مباشراً على حاسّة السمع ومن ثمّ على الجهاز العصبيّ، فالضغط على طبلة الأذن، ومن ثمّ على باقي الجهاز السمعيّ، الناتج عن ارتفاع الصوت، يؤثّر على الجهاز العصبيّ، عند بعض الخبراء في مجال علم نفس الصوت، بشكلٍ أشبه بالتخدير.
على أنّي لم أعاين شخصاً، ولم أقرأ عِلماً عن فارقٍ حسّيٍّ بين حال التطريب وحال التعبير.
نواصل الاسبواع القادم ..