وأمّا النغم الحقّ فهو ما صدق صاحبه فيه مع نفسه، دارجاً كان أو فصيحاً أو شعبيّاً، دينيّاً أو دنيويّاً، آليّاً أو غنائيّاً، لا فرق في هذا بين تجاريٍّ أو معارضٍ لسلطةٍ أو متملّقٍ لها.
أضرب هنا مثلاً مطربتين التقيت كليهما في وقتٍ متقاربٍ بين عامي 2010، و 2011 إحداهما في بيت صديقٍ عزيزٍ بالقاهرة، و الأُخرى في بيت صديقٍ عزيزٍ بجبل لبنان. أمّا من التقيتها في القاهرة، فهي عندي الأجود والأمهر. قالت: أنّنا قد ربينا على السمع والطاعة، أن لا يكون لنا طموحٌ خارج ما اتّخذنا من مهنة، لا نعارض سلطةً بدءاً من سلطة الأب في البيت وصولاً لسلطة الأب الحاكم، إنّما أغنّي لمن يريد سماعي، وأستفيد من غنائي لنفسي قدر المستطاع.

و قالت الأُخرى كلاماً مفاده أنّ الفنّ رسالةً وأنّي أحبّ الفنّ الملتزم، و أغنّي لبلدي لأنّي أحبّ بلدي و أحبّ حكومة بلدي.
المفاجأة، أنّ الأولى استمرّت في ما هي عليه، محترمةً في هذا مبدئها، و لو نظر إليه البعض أنّ فيه تملّقٌ للحاكم، لكنّها في نظري احترمت نفسها و لم تؤذِ في ما يراه البعض تملّقاً، أحدًا. أمّا الثانية، فبمجرّد أن جاءتها فرصة الغناء الاستهلاكيّ و التصوير المصاحب للغناء الدارج المعروف في الفضائيّات بالفيديوكليب، فلم تتورّع عن خوض غماره حتّى مع شركة إنتاجٍ متواضعةٍ في هذا المكان من سوق تجارة النغم. فانطبق عليها بامتيازٍ مثل الرقص على السلّم.